لم يكن الوصول إليه سهلاً، بل ليس آمناً كذلك. لكن الحقيقة دوماً تستحق المجازفة، وحق مصر فى أن تعرف أبعاد الخطر الكامن تحت الأرض كافٍ لتحمل القلق المُختبئ وراء نصف ابتسامة بدأت فى التلاشى كلما توغلت السيارة التى تحملنا إلى عمق الصحراء؛ حيث لا ظل إلا ظل الله ومساحات شاسعة من اللون الأصفر على جانبى الطريق وبضع «ذُباب» جبلى يُصر أن يضيف على المشهد المتوتر لمسته الخاصة. فجأة ينحرف بنا الطريق إلى أحد «المدقات» غير الظاهرة فى طريق وعر للوصول إلى مكان خفى فى المنطقة الحدودية فى رفح.
استمرت المفاوضات لأكثر من 3 ساعات، بين محاولات للإقناع تارة والتهديدات تارة أخرى، وتلخصت فى أنه حال عدم تنفيذ الشروط المحددة للموافقة على إجراء الحوار ستكون العواقب وخيمة. وما بين الدقيقة والأخرى عليك أن تتوقع المواجهة مع المجهول، أياً كان تعريف هذا المجهول: قنص من رصاصة موجَّهة فى الخفاء، كمين تكفيرى ينتظر إشارة التنفيذ، اختطاف ممنهج، وربما ما هو أكثر، فأنت لا تعلم من هو الذى لا يريدك أن تخترق مملكته الخاصة فى عالم التهريب عبر الأنفاق؛ ففى بعض مناطق شمال سيناء كل شىء ممكن ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص. الشروط لم تكن بالكثيرة، تلخصت فى 4 نقاط أساسية: كتابة كل ما يُقال بالحرف الواحد بلا زيادة أو نقصان، إنهاء الحوار فوراً إذا شعر أن هناك خطراً ما دون إبداء أسباب، ارتداء حجاب على الرأس للصحفية التى ستجرى الحوار، وارتداء «لثمة» كما تُنطق باللهجة السيناوية، أى «لثام» لإخفاء معالم الوجه كاملة، أما الاسم فليكن «سليمان» ولا يجب توجيه أى سؤال إضافى آخر عن أى معلومات شخصية عنه أو عن المكان وغير مسموح بالسؤال عن أى أسماء.
«سليمان» يكشف، فى حوار خاص جداً مع «الوطن»، عن أسرار عمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق من قطاع غزة إلى سيناء: كيف تتم؟ من المسئول عنها؟ أسعار كل نفق وأنواعه، شروط تهريب السلاح وأنواعها الجديدة، العمليات النوعية التى قامت بها «حماس» فى سيناء وعلاقتها بالإخوان والجماعات التكفيرية، كيف انتشرت عمليات تهريب السلاح فى عهد المعزول محمد مرسى لدرجة أن أصغر طفل يستطيع أن يحمل سلاحاً دون أن يسأله أحد: «ماذا تفعل؟»؟ وغيرها من التفاصيل والأسرار التى تُنشر لأول مرة فى واحدة من أخطر المهام الصحفية التى تكشف عن خبايا الإرهاب الأسود الذى يزج بمصر إلى أتون حرب شرسة غير معلنة تحصد أرواح مواطنين أبرياء ورجال الشرطة والجيش كل يوم. هى الحرب التى تحدث عنها القيادى الإخوانى محمد البلتاجى يوماً ما والتى أكدها «سليمان» فى عبارة ساخرة: من لم يستطِع أن يصبح إرهابياً فى عهد «مرسى».. لن يستطيع أن يفعلها فى أى وقت آخر.
«سيلمان» أحد كبار مهربى الأنفاق فى سيناء يتحدث لـ«الوطن»
■ متى بدأت عمليات التهريب فى الازدهار حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن؟
- بدأت منذ عام 2007 من أيام حسنى مبارك، حتى لما عمل «مبارك» الجدار العازل، بدأوا «يقصوا فيه ويعملوا فتحات» وكانت تنتشر فى تلك الفترة عمليات تهريب المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية والملابس وغيرها من متطلبات الحياة اليومية بسبب الحصار المفروض على غزة، وكان كل الناس عندنا فى ذلك التوقيت يعرفون أننا نعمل فى الأنفاق وبلا مشاكل.
0 التعليقات: